صديقي كان، ككثير غيره، لديه تصور نمطي مغلوط عن المملكة، لم يكن يتخيل أن حكما ملكيا يسمح بذلك الشكل من النقد والحديث عن الأخطاء وأوجه التقصير إذا كان أقل منه محفوفا بالخطر في نظام بلده «الجمهوري». ولم أكن بحاجة لاختلاق أمثلة من ذهني أكثر جرأة من القضية التي قرأها؛ لأن شبكة الإنترنت تكفلت بذلك. وكنت صادقا عندما قلت له إنه حتى عندما يتجاوز الكاتب أحيانا في حدة نقده، فإن باب الحوار والتفاهم والتصحيح مفتوح وليس باب المعتقل والتنكيل. واليوم أتمنى لو قرأ صديقي كلمة الملك سلمان للمسؤولين والمواطنين يوم الأربعاء الماضي؛ ليعرف أن المواطن السعودي لا يستطيع فقط نقد أجهزة الدولة التي يشرف عليها الملك، بل يستطيع أن يرفع قضية على الملك؛ لأنه لا توجد له حصانة أمام القضاء.
ما قاله الملك سلمان في كلمته الموجزة يختصر كثيرا من أدبيات الحكم وواجبات المسؤولية وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم والشعب. إشارته لإمكانية مقاضاة الملك تحمل رسالة أهم أنه لا أحد في هذا الوطن فوق القضاء. وفي الوقت نفسه، فقد أراد الملك تأكيد أهمية النقد الهادف الذي يتوخى الإصلاح، بل وطالب به عندما قال «رحم الله من أهدى إلي عيوبي.. إذا رأيتم شيئا يضر بالمواطن أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي شيء كان، أبوابنا مفتوحة، وتلفوناتنا مفتوحة، وآذاننا مفتوحة لكم».
يا صديقي: طبيعة الحكم لدينا وعلاقة الحاكم بالمجتمع واضحة تماما، تحكمها ثوابت وأخلاقيات وقيم ومبادئ راسخة. الحمد لله لسنا في ظل حكم يبدأ بشعار الجماهير وخدعة الديموقراطية ليتحول سريعا إلى ديكتاتورية عاتية تكمم الأفواه وتسمل العيون وتصادر الكرامة.