يوم الثلاثاء، فاجأنا الملك سلمان بما يمكن تسميته فعلا بخطاب الأمة، خطاب سمعه وقرأه الجميع، ويصعب استعراض مضامينه ودلالاته الهامة في هذه المساحة، لكنه بكل المقاييس خطاب وطني بامتياز؛ لأن محوره المواطن. كان المواطن والوطن هما الحاضرين البارزين في الخطاب، فقد أكد ــ حفظه الله ــ أن توجيهاته الملزمة قد صدرت لكل أجهزة الدولة بأن تفي بواجباتها تجاه المواطن، وأن الرقابة والمحاسبة تتعقب الجميع، وأنه غير مسموح بأي خلل وإهمال أو تقصير، فالمواطنون سواسية ولا فرق بين مواطن منطقة وأخرى كما يتوهم البعض، ولذلك فمبدأ التنمية المتوازنة يجب أن ينتقل من حيز النظرية إلى التطبيق. كما أن الإشارات القوية في الخطاب الموجهة للمسؤولين تنبئ بمرحلة جديدة لا تكون فيها الوظيفة العليا تشريفا ومغنما ووجاهة، بل مسؤولية حقيقية لا عذر للمقصر فيها.
وفي جانب آخر، فإن الخطاب يؤكد أن المملكة ماضية بعزم في مسيرة التطوير والتحديث، وأنها لن تكون أسيرة أدبيات الماضي السلبية، وإنما وفق المبادئ والقيم الصحيحة للشريعة السمحة دون إفراط أو تفريط، وبحسب روح الإسلام وفكره ومنهجه الذي يحث على الرقي بالإنسان والبحث عن كل مفيد له، فلا مكان للتطرف والتشدد والغلو الذي يعيق الخطوات الإيجابية، ويخدش المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات، وقد كانت هذه الرسالة واضحة جدا في الخطاب، وعلى المعنيين بها أن يستوعبوها جيدا.
وعندما نقول إن العمل بمضامين وتوجهات هذا الخطاب قد بدأ فعلا قبل إلقائه، فإن ما حدث خلال فترة قصيرة يؤكد ذلك، فقد قال الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته للمملكة أن الملك سلمان أنجز في أيام معدودة ما يحتاج رؤساء الدول إنجاز بعضه في مئة يوم، فقد بدأ فورا إصدار القرارات التنظيمية الجديدة، وتشكيل الهياكل، واختيار المسؤولين، وتحديد المسؤوليات، وتوضيح ملامح التوجهات في الأداء الداخلي والسياسة الخارجية منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الرياض تتحول إلى ملتقى عالمي لزعماء الشرق والغرب؛ كحضور قوي للمملكة وتأثير مهم في الساحة الدولية والإسلامية والعربية، ولذلك يأتي خطاب سلمان ليؤكد ما حدث وما سيحدث استمرارا له، وليس لتحديد نقطة البداية، وما أجمل حين يسبق الفعل القول.
إنها المرحلة الجديدة التي تشترك مع المراحل السابقة في القيم والثوابت الواضحة غير القابلة للاختلاف، ولكنها تتوجه بقوة نحو المستقبل بآليات ديناميكية وعقلية عملية، تنشد وصول الوطن والمواطن إلى المكانة اللائقة بهما.