مضى الوقت والجمهوريات تنحدر، بينما الملكيات والإمارات تعمل بهدوء وإصرار لترسيخ وجودها وثباتها وتقدمها، طغت الشعارات والمزايدات على كل تفاصيل الجمهوريات العربية، ومضت الملكيات نحو مستقبلها، وحين ثارت الشعوب في مرحلة الربيع العربي لم تحدث تلك الثورات سوى في الجمهوريات، وهي مفارقة مهمة حين تحدث الثورة في جمهورية، بينما الملكيات تعيش في سلام ووئام وتصالح بين شعوبها وأنظمتها الحاكمة. بل المفارقة الأكبر عندما استجابت الملكيات لدعوات الإصلاح ومطالب الشعوب باحترام وأناة وتعقل، بينما أخرجت الجمهوريات أسلحتها لمحاربة شعوبها والتنكيل بها، وها نحن نشاهد المآسي المستمرة والمؤامرات المخزية التي ما زالت بعض الأنظمة الجمهورية ورؤسائها يمارسونها بحق الشعوب المغلوبة بقوة السلاح.
أعرف جيدا أن هناك من سيتهم من يقول هذا الكلام بالرجعية والتخلف وأنه بوق يطبل لنظامه، حسنا ليكن ذلك وليقل من شاء ما شاء، ولا يهم ذلك أبدا. نحن نتوق إلى مزيد من الإصلاحات على كل المستويات، ونطالب باتخاذ كل ما من شأنه تحقيق وضع أفضل للمواطن والوطن. نعرف أن لدينا أخطاء متراكمة، ولدينا مستفيدون من بقائها كما هو الحال في أي مجتمع آخر، لكن الفرق أن الدولة هنا تستمع وتتجاوب وتتفق مع رؤية الشعب باتجاه التطوير والتحديث والإصلاح، لا توجد لديها حالة إنكار وإصرار على أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، ولا ترسل زوار الفجر لخطف من يطالب بالأفضل من منطلق وطني أو تفتح المعتقلات لتكميم الأفواه. هناك حالة من الحوار والتناغم والتماهي بين الشعب والدولة وفق أطر من الاحترام والثقة والتقدير تتحقق نتائجها بهدوء.
إننا الآن في مرحلة دولة جديدة، حقيقة لا مجازا، والملك سلمان بن عبدالعزيز كان وما زال الأقرب من نبض المواطن وتطلعاته، مستمع ومحاور ومتجاوب من طراز نادر، وصاحب قرار حاسم عندما تتطلب مصلحة الوطن ذلك. ولا شك أنه بدأ مرحلة مكملة لفترة سابقة قادها شقيقه الملك عبدالله ــ رحمه الله، لكنها بالتأكيد ستكون شاملة وملبية لاحتياجات المرحلة داخليا وخارجيا، وسوف نستمر في مرحلة العمل المؤسسي وإدارة الوطن بروح الفريق. وعندما تحفظ الدولة ونظامها أمن المواطن وكرامته وحقوقه وتستمع إلى مطالبه باحترام وتسعى لتحقيقها فهي دولة جديرة بالتقدير والاحترام والفخر بها.